الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

الخلافات حول القاعدة الدستورية ما تزال عقبة كبرى أمام الوصول إلى حل توافقي في ليبيا

طرابلس-ليبيا(بانا)- ما تزال الخلافات حول القاعدة الدستورية التي ستكون بمثابة الإطار القانوني لتنظيم الانتخابات في ليبيا، تحول دون التوصل إلى توافق على هذه المسألة المحورية لتسوية الأزمة في ليبيا، حيث أخذت الأمور مسارا أقرب إلى مسلسل يتشكل من حلقات مليئة بالتقلبات إذ أن لكل يوم نصيبه من المفاجآت.

ويعكس هذا الوضع الإرادة السيئة لدى الأطراف السياسية الفاعلة المحلية والدول المنخرطة في الملف الليبي حيث لا يبدو أنها تسعى بالفعل إلى التوصل لحل توافقي يسمح بتسوية تحفظ الاستقرار والسلام في هذا البلد الواقع في شمال إفريقيا.

وقد اتسم المشهد الليبي، في الآونة الأخيرة، بتطورات سياسية مع ظهور مقترحات مقدمة من جهات فاعلة بشأن تنظيم الانتخابات وتشكيل سلطة تنفيذية جديدة على المستوى الحكومي في وقت أصبحت فيه مسألة القاعدة الدستورية التي على أساسها ستنظم الانتخابات التشريعية والرئاسية، موضع خلافات بين المؤسستين المعنيتين، مجلس النواب (البرلمان) والمجلس الأعلى للدولة(أعلى هيئة استشارية).

وتجدر الإشارة إلى أن رئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، أعلنا مطلع شهر يناير الجاري بالعاصمة المصرية القاهرة بمصر أنهما اتفقا على وثيقة دستورية أعدتها لجنة مشتركة لإحالتها إلى المجلسين التشريعي والاستشاري لدراستها وكذلك وضع خارطة طريق للترتيبات الانتقالية للوصول إلى الانتخابات في البلاد.

لكن هذا التفاهم العارض لم يتجاوز وقت إعلانه قبل أن تعود الخلافات إلى الواجهة مجدداً مع الخرجة الإعلامية لرئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، التي أكد فيها أن ما تم الاتفاق عليه مع خالد المشري كان لفظيا فقط وأن المجلس الأعلى للدولة هيئة استشارية فقط وأن مجلس النواب هو المسؤول عن وضع قاعدة دستورية من خلال تعديل الإعلان الدستوري، ضاربا عرض الحائط بالترتيبات التي توصلا إليها.

وبهذا النكوث، عادت البلاد إلى الطريق المسدود، حيث غابت آفاق الخروج من الأزمة، رغم تواصل الجهود المحلية والدولية للبحث عن صيغة لتجاوز الانسدادات الراهنة.

رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أعلن أنه اقترح على بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا آليات تشكيل الحكومة الجديدة، مبيناً أن إمكانية تشكيل حكومة جديدة ما زالت قائمة.

وأشار، في تصريحات للصحافة، إلى أن الانتخابات يجب أن تجري في ظل حكومة واحدة، مؤكدًا أنها ليست غاية بل هدفًا لتحقيق الاستقرار في البلاد.

بيد أن هذا الاقتراح ينطوي على مناورة من قبل رئيس الهيئة التشريعية للسماح، وفق مراقبي المشهد الليبي، بالبقاء في السلطة من خلال تمديد ولاية البرلمان التي تجاوزت أجلها النهائي منذ أكثر من سبع سنوات، لا سيما أن القضايا المطروحة تتعلق بالإطار القانوني لإجراء الانتخابات التي يتفق الجميع على اعتبارها الحل الوحيد لإخراج البلاد من الأزمة.

وترفض حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، والمنبثقة عن توافق منتدى الحوار السياسي الليبي، تسليم السلطة للحكومة المستقرة بشرق البلاد التي عينها البرلمان برئاسة رئيس الوزراء فتحي باشاغا قبل إجراء الانتخابات العامة وانتهاء الفترة الانتقالية.

ويثير هذا الوضع نقاشا محتدما حول القاعدة الدستورية، مما يزيد من حالة الارتياب بشأن تسوية الأزمة، خاصة أن تعدد  الحلول المقترحة لا يوحي بوجود إرادة مشتركة في تحقيق حل توافقي، بل على العكس، بتصلب كل طرف على مواقفه وغياب إمكانية التوافق.

وفي ظل عجز المجلسين عن تجاوز خلافاتهما، تزايدت المبادرات من مختلف المكونات في ليبيا لاقتراح تسوية من شأنها أن توصل البلاد إلى بر الأمان.

وهكذا، فقد أطلق عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية وقيادات من النخب والتيارات السياسية والمجتمعية والعلمية، يوم الثلاثاء في العاصمة طرابلس، مبادرة الحوار السياسي والمجتمعي.

وبحسب المبادرة، فقد اتفقت جميع النخب السياسية والمجتمعية على عقد حوار وطني شامل تنبثق منه المبادئ الأساسية لحكامة مؤسسات الدولة ووضع قاعدة دستورية تُجرى على أساسها انتخابات رئاسية وبرلمانية، ثم استفتاء على الدستور الدائم.

كما تشمل المبادرة تشكيل حكومة انتخابية ذات قدرات وصلاحيات عالية قادرة على توحيد البلاد، وتكون مهمتها إدارة شؤون الدولة بشكل مؤقت، ووضع حد لجميع الانقسامات السياسية والأمنية والعسكرية والإشراف على حوار وطني شامل يقود البلاد إلى انتخابات في مدة لا تتجاوز سنة ونصف سنة وهي المدة المطلوبة للحوار الوطني من أجل الوصول إلى قاعدة دستورية ودستور دائم وتنظيم استفتاء بهذا الشأن.

مقترح آخر تقدم به تجمع الأحزاب الليبية الذي أكد رفضه للتدخل واحتكار إمكانات الدولة ومستقبل أجيالها، وكذلك اختزال المشهد السياسي في رغبات وأطماع البعض للبقاء في السلطة من أجل أغراض شخصية وتنفيذ أجندات خارجية.

وتستند خارطة الطريق الصادرة عن تجمع الأحزاب الليبية إلى مبدأ أن لا حل لمشاكل ليبيا إلا عن طريق واحدة وهي بناء دولة ديمقراطية حرة تنتهي فيها جميع أشكال الصراع على الحكم، أي لامركزية واسعة ومنح قدر أكبر من الاستقلالية في إدارة وتوزيع موارد الدولة بطريقة عادلة بين المناطق.

على صعيد آخر، دعا أعضاء في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، عقب اجتماع عُقد يوم الأربعاء في طرابلس بين أعضاء من المجلسين، بحضور النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، والنائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للدولة، ناجي مختار، إلى ضرورة الوصول "لشراكة وطنية" بين جميع الأطراف و"عدم الانفراد بالقرار".

وأكد أعضاء المجلسين أن "المرحلة الراهنة تحتّم شراكة وطنية ولا ينبغي لأي طرف أن ينفرد بالقرار السياسي والاقتصادي والأمني، ويجب أن يجري العمل من خلال المؤسسات وليس من قبل أطراف أو أفراد قد تختلف تطلعاتهم عن مقتضيات المصلحة العليا للوطن".

ودعا أعضاء مجلسي النواب والدولة الأمم المتحدة باعتبارها الداعم للعملية السياسية في ليبيا إلى أن تمارس دورها بإيقاف التدخلات الإقليمية والدولية التي أربكت العملية السياسية في ليبيا، وأن تدعم الحلول الليبية-الليبية"، مشيرين إلى أنهم سيواصلون اجتماعاتهم حتى يتم وضع خارطة طريق خاصة وجدول زمني لتحقيق الأهداف المرسومة".

وتلقى فكرة توسيع دائرة المتدخلين في البحث عن حل للأزمة الليبية إلى أبعد من المجلسين، ترحيبا لدى بعض الدول الأجنبية التي دعت إلى مفاوضات شاملة.

السفيرة البريطانية لدى ليبيا، كارولين هورندال، دعت إلى توسيع نطاق المحادثات الراهنة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة وذلك بضم الكثير من الأطياف السياسية إليها لضمان نجاحها، مع التركيز على العقبات السياسية والقانونية.

وقالت الدبلوماسية البريطانية، في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، إنه من الواضح حالياً أن قادة ليبيا يخذلون بلدهم، مضيفة "أود أن أرى إجراءً حقيقياً يظهر أنهم مستعدون لوضع مصلحة ليبيا أولاً، بدلاً من حماية مصالحهم".

من جانبه، كشف الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، عبد الله باتيلي، بعد لقائه، أمس الأربعاء في العاصمة الجزائرية، بالرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عن جهود تبذلها الجزائر لتوحيد المواقف الدولية بشأن الأزمة الليبية.

وتطرق باتيلي إلى "جهود الجزائر للسماح لجميع الأطراف الدولية بالتحدث بصوت واحد"، من أجل تمكين الشعب الليبي والدولة الليبية من الخروج من الأزمة بطريقة تعود بالمنفعة على المنطقة كلها.

وأكد المسؤول الأممي، قبل ذلك خلال لقائه مع وزير الخارجية الجزائري رمضان العمامرة، على أهمية توحيد الجهود على الصعيدين الإقليمي والدولي لتحقيق الأهداف الضرورية والمطلوبة لتنظيم انتخابات عام 2023 والوصول بليبيا إلى طريق الاستقرار الدائم والسلام.

كما شدد المسؤول الأممي على أهمية استمرار دعم الجزائر لجهود الأمم المتحدة، باعتبارها إحدى دول الجوار وعضوا في جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي.

الولايات المتحدة، التي تبدي اهتماما متزايدا بالبحث عن حل في ليبيا، من خلال انخراط أكبر، كما برهنت عليه الزيارة الأخيرة التي قام بها مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليامز بيرنز، تعمل هي الأخرى أيضًا من أجل أن تفضي الجهود الجارية سريعا إلى تنظيم الانتخابات.

وهكذا، فقد أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنها تتواصل بانتظام مع القادة الليبيين للتأكيد على ضرورة الوحدة الوطنية والاتفاق على سبيل للمضي قدما نحو تنظيم الانتخابات دون تأخير.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في مقابلة مع قناة "ليبيا الأحرار" الليبية الخاصة، إن بلاده تواصل الوقوف مع الشعب الليبي ودعمه في استكماله للثورة الديمقراطية التي بدأها منذ أكثر من عشر سنوات.

وأشار برايس إلى أن القيادة الليبية مسؤولة عن حل المأزق السياسي الراهن واستكمال الانتقال السياسي في ليبيا.

وبشأن اتفاق رئيسي المجلسين، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إن رسالة بلاده واضحة وتقوم على التطلعات التي عبر عنها الليبيون لرؤية اتفاق سياسي يؤدي إلى الاستقرار والوحدة ويمهد السبيل لإجراء انتخابات ذات مصداقية.

لكن هذه الرغبة في إيجاد حل في ليبيا، تنقصها مساهمة فاعليْن مؤثرين حاليًا على الساحة الليبية، هما تركيا ومصر، اللتان ترتبطان بعلاقات مع حلفائهما المحليين تتيح لهما التأثير عليهم في أي تنازلات قد يقدمونها من أجل التوصل إلى تسوية.

وبالفعل، تقوض الخلافات بين القاهرة وأنقرة حول القضية الليبية، على خلفية التنافس بين هاتين القوتين الإقليميتين خاصة حول موارد الطاقة الهائلة التي تزخر بها ليبيا، الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي في هذا البلد.

ونظرًا لأن هاذين البلدين حليفان استراتيجيان للولايات المتحدة، يمكن لواشنطن أن تمارس ضغوطا للتقريب بين مواقفهما بشأن ليبيا والتحرك نحو تسوية تؤدي إلى انتخابات وطنية، وهو ما ترمي إليه الجهود الحالية.

-0- بانا/ي ب/س ج/26 يناير 2023