الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

مستقبل الحكومة المكلفة من البرلمان في ليبيا أمام اختبار فشلها في فرض نفسها بطرابلس

طرابلس-ليبيا(بانا)- بعد مرور أكثر من ستة أشهر على التصويت على منحها الثقة، في مارس الماضي، من قبل مجلس النواب (البرلمان) الليبي، الذي كلفها، أصبحت حكومة رئيس الوزراء فتحي باشاغا أمام اختبار شاق يهدد مستقبلها بالكامل، إثر اعترافها بالفشل في دخول مدينة طرابلس للعمل من العاصمة، مكتفية بممارسة نشاطها، من الآن فصاعدا، من سرت (وسط البلاد)، وبنغازي (شرقا).

ومن شأن هذا الاعتراف أن يجعل عددا من داعمي باشاغا في المؤسسة التشريعية يتراجعون عن موقفهم، إدراكا منهم لعجزه عن الإيفاء بالتزامه بعمل حكومته من العاصمة الليبية.

وينذر هذا الوضع بالتخلي عن الحكومة المكلفة من البرلمان والتعجيل بنهايتها، مع إدارة ظهر مؤيديها السياسيين لها والنأي بأنفسهم عنها.

وظهرت بوادر هذا التطور للعلن أثناء الجلسة الأخيرة التي عقدها البرلمان في بنغازي، حيث اتسمت بنفاد صبر بعض النواب تجاه الحكومة، مطالبين بجلسة سماع لرئيس الوزراء وحكومته لشرح الأسباب التي تحول دون مباشرة مهامها.

ويرى مراقبو المشهد الليبي أن هذا المطلب يعكس تذمرا متناميا بين النواب الذين كانوا قد منحوا الثقة لهذه الحكومة قبل أن تخيب آمالهم على ما يبدو وأصبحوا يرغبون في معرفة المزيد عما يعتبرونه فشلا في عملها من طرابلس.

ودفع هذا التطور فتحي باشاغا لتعجيل عودته إلى ليبيا، بعد تواجده لمدة طويلة في تركيا، حيث قام بزيارة لحشد الدعم، إلا أنه عاد خالي الوفاض، دون الاستجابة لمطالبه بما يمكنه من ممارسة عمله من طرابلس لدى أنقرة التي تعد أحد الفاعلين الرئيسيين في الملف الليبي، خاصة في المنطقة الغربية.

وعلى الرغم من تقاربها مؤخرا مع معسكر شرق ليبيا باستقبالها لرئيس البرلمان، عقيلة صالح، فإن السلطات التركية ما تزال حليفا قويا للمعسكر الغربي.

وفي تعليقه على مسألة عمل حكومته من العاصمة، صرح باشاغا، في هذا الصدد، أن محاولة الحكومة ممارسة نشاطهها من العاصمة "باءت بالفشل"، مفسرا ذلك برفضه "إراقة الدماء أو إثارة الصراعات" في سبيل تحقيق ذلك.

وتابع، في كلمة أدلى بها في مطار بنينا (بنغازي)، لدى عودته من تركيا، أن الحكومة المكلفة من مجلس النواب ستعمل من مدينتي سرت وبنغازي، متعهدا بأن عملها سيكون في خدمة جميع الليبيين، ولن ينحصر على منطقة بعينها.

وأعرب عن أسفه لأن "هناك ليبيين يريدون استمرار الفوضى والانقسام في البلاد، ويرون ذلك في مصلحتهم"، مضيفا "هناك أيضا وضع إقليمي ودولي لا يريد تقارب أو مصالحة الليبيين، وإنما استخدام ليبيا كورقة ضغط للتفاوض حول مصالح أخرى".

وسبقت هذا الاعتراف بالفشل كلمة لرئيس الوزراء المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، كشف فيها أنه سيعلن قريبا عن خطة تتمحور حول "إحلال الاستقرار والسلام والازدهار وضمان وصولنا إلى انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة حرة وعادلة".

وأضاف أنه أجرى "لقاءات مثمرة وبناءة مع بلدان صديقة وشقيقة"، قائلا "أثمن عاليا الروح الإيجابية التي لمسناها والإرادة في التعاون والعمل المشترك مع هذه الدول".

ويبدو أن هذه الرغبة من الحكومة المكلفة من البرلمان في مواصلة لعب دور على المشهد الليبي لا تواكب الوضع على أرض الواقع، باعتبارها في حقيقة الأمر حكومة موازية على غرار الحكومة المؤقتة التي قادها رئيس الوزراء عبدالله الثني بين سنتي 2015 و2021 من مدينة البيضاء (شرق البلاد)، بدعم من المؤسسة التشريعية.

ويؤشر الوضع الذي تواجهه حكومة باشاغا حاليا إلى تغير لمسار الأزمة الليبية، مع تراجع لثقل الحكومة المكلفة من البرلمان في مقابل ترسخ حكومة الوحدة الوطنية التي فرضت نفسها، حتى وإن ظلت مسألة السلطة التنفيذية مطروحة بقوة شأنها شأن إشكالية الانتخابات، حيث أنه لم يتغير شيء في صلب الأزمة، ما يطيل أمد الجمود والطريق المسدود في البلاد.

وستظل حكومة باشاغا عديمة التأثير دون التمكن من الحصول على اعتراف دولي، باستثناء مصر، ولا ممارسة سلطة فعلية داخل البلاد، ولا السيطرة على المؤسسات المالية التي تتصرف في أموال ليبيا، مثل المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية الليبية للنفط، المتمركزين في العاصمة، وذلك نظرا لأهمية المال الذي يمثل عصب الحرب في ليبيا.

وبالفعل، ثبُت في ليبيا أن مقولة من يسيطر على النفط وخزائن المصرف المركزي يملك مفاتيح السلطة ما انفكت تغذي النزاع الليبي والصراعات بين الأطراف السياسية الليبية المدعومة من قوى إقليمية ودولية، في السنوات الأخيرة.

وعلاوة على انحسارها على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فإن الحكومة المكلفة من البرلمان خسرت الكثير على مستوى التوازن العسكري، خاصة في العاصمة الليبية.

وهكذا، فقد عزز رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة قبضته على العاصمة، حيث نجح في الحصول على دعم التشكيلات المسلحة التي تدافع عن المدينة من أي تغلغل لخصومه.

وتأكدت الهيمنة العسكرية لحكومة الدبيبة على العاصمة بطرد كافة التشكيلات العسكرية المناهضة لها، أثناء الاشتباكات الدامية التي شهدتها المدينة مؤخرا، ما يجعل أي انتصار عسكري عليها أو دخول إلى طرابلس بقوة السلاح في حكم المستحيل.

وينصبُّ التركيز على إجراء الانتخابات التي تمثل المنفذ السياسي الوحيد الكفيل بإخراج ليبيا من هذا المأزق.

ويشكل هذا الحل أحد التطلعات الرئيسية لليبيين الذين يودون الذهاب إلى صناديق الاقتراع لاختيار قادتهم وانتخاب مؤسسات مزودة بشرعية جديدة قادرة على رفع التحديات ومعالجة المشاكل العالقة.

وسجل أكثر من 8ر2 مليون ليبي أنفسهم في قوائم الانتخابات، وسحب ما يربو على 5ر2 مليون ناخب بطاقاتهم الانتخابية، تمهيدا لانتخابات ديسمبر الماضي، في دلالة على حماسة الليبيين الأكيدة للمشاركة في تلك الانتخابات التي تمثل بالنسبة لهم طوق نجاة لبلادهم كي تخرج من دوامة العنف المستمرة على مدار العقد المنصرم.

وتكرر هذا الموقف باستمرار خلال مختلف الجلسات التي عقدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي حث أعضاؤه المؤسسات الليبية المعنية على السعي للتوافق على إطار قانوني لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في أقرب الآجال الممكنة.

يشار إلى أن المفاوضات بين البرلمان الليبي والمجلس الأعلى للدولة (أعلى هيئة استشارية) حول إعداد قاعدة دستورية تشكل إطارا قانونيا لإجراء الانتخابات الوطنية تتعثر بمسألة أهلية مزدوجي الجنسية والعسكريين في الترشح للانتخابات.

وجدد رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، الذي أعرب عن نفاد صبره تجاه الانسداد بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، يوم الخميس، تأكيد تمسك حكومته بخيار الانتخابات للعبور بليبيا إلى مرحلة الاستقرار، داعيا إلى التفكير في حلول بديلة إذا استمر تعطيل إصدار قاعدة دستورية، حتى لا يظل مصير ليبيا معلقا بطرفين اختلفا حول مادة أو مادتين دستوريتين لكنهما اتفقا على تأخير الانتخابات والذهاب في طريق التمديد.

ويعتقد بعض المحليين والفاعلين السياسيين الليبيين أن هذه الخلافات ليست سوى ذريعة يختبئ وراءها المجلسان لتمديد ولايتيهما للبقاء في المشهد.

كما يفسرونها بتدخلات القوى الأجنبية والدولية التي يساعدها استمرار الفوضى في ليبيا ما دام يخدم مصالحها.

ولا يزال استمرار هذه التدخلات قائما، إذ برز آخر تجلياتها أثناء رئاسة ليبيا للدورة الـ158 لمجلس وزراء الخارجية العرب الذي قاطعته مصر، مبررة موقفها بانتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية.

ويعكس هذا الموقف السياسي الصراعات على النفوذ بين مصر وتركيا في ليبيا، على الرغم من محاولة البلدين إعادة النظر في سياساتها تجاه الأطراف المتحاربة عبر العمل على تطبيع علاقاتهما مع كافة الأطراف الليبية في الشرق والغرب، إلا أن استمرار الجمود السياسي والصراع على السلطة أحيا الأعمال العدائية مجددا في هذا البلد الواقع بشمال إفريقيا.

ويتمثل خيار النجاة المؤقت الوحيد للحكومة المكلفة من البرلمان الليبي في استفادتها من دعم القاهرة الذي يقتصر على الجانب العسكري، والذي سبق تجريبه مع الحكومة الموازية السابقة المتمركزة في الشرق، دون أي تأثير فعلي على مآل الصراع، حتى بعد الهجوم العسكري الذي شنه قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، في أبريل 2019 ، على العاصمة طرابلس ومجمل المنطقة الغربية.

وتبدأ تسوية الأزمة في ليبيا، كما اقترحتها الولايات المتحدة على أطراف النزاع، بالتعاون مع الممثل الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، عبدالله باتيلي، للوصول إلى إجراء الانتخابات.

وفي هذا الإطار، حث مستشار وزارة الخارجية الأمريكية، ديريك شوليت، يوم الخميس، المسؤولين الليبيين، على العمل بشكل عاجل مع الممثل الخاص للأمين العام الأممي، عبدالله باتيلي، حول مسار إجراء انتخابات بلا تأخير.

وجاءت هذه التصريحات عقب لقاء وُصف "بالبناء" بين شوليت ووزيرة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، نجلاء المنقوش، على هامش الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأكد اللقاء، وفق تغريدة لسفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا، على أهمية دعم الجهود الرامية لإنجاح المسار السياسي، وصولا إلى انتخابات وطنية في أقرب الآجال الممكنة، من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار للشعب الليبي.

وأسهبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في نفس الاتجاه، حيث أعربت عن التزامها بإحلال السلام في ليبيا "عبر عملية شاملة يديرها ويرعاها الليبيون".

وأكدت البعثة الأممية، في تدوينة عبر حسابها على تويتر بمناسبة اليوم الدولي للسلام، أنها "مستمرة في العمل مع كافة الأطراف الليبية المؤثرة للدفع بعملية السلام والوصول إلى الانتخابات التي يصبو إليها الشعب الليبي".

-0- بانا/ي ب/ع ه/ 23 سبتمبر 2022