منظمة حقوقية تدعو إلى نهج جديد حول التمويل الإنساني في السودان
نيروبي-كينيا(بانا)- اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنه بينما يجتمع قادة عالميون وإقليميون اليوم الإثنين في العاصمة الفرنسية باريس لتسليط الضوء على السودان في الذكرى السنوية الأولى لاندلاع النزاع الدموي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، يجب عليهم ضمان محاسبة المسؤولين عن الفظائع المستمرة وغيرها من انتهاكات القانون الإنساني الدولي.
ولاحظت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان أن هذه الانتهاكات تشمل القتل العمد للمدنيين على نطاق واسع، والهجمات غير القانونية ضد البنية التحتية المدنية، وعرقلة المساعدات ونهبها عمدا، وكلها أفعال تشكل جرائم حرب.
وتستضيف فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، اليوم الإثنين، مؤتمرا حول السودان يهدف للضغط من أجل إنهاء القتال، وزيادة التمويل العالمي للاستجابة الإنسانية التي تعاني من نقص شديد في الموارد، بينما تتفاقم أزمة الجوع في السودان والبلدان المستضيفة للاجئين.
وصرح الباحث المعني بالسودان في "هيومن رايتس ووتش"، محمد عثمان، أن "الأطراف المتحاربة في السودان تسببت في معاناة هائلة للسودانيين من جميع الفئات. يجب أن تتغير الاستجابة العالمية للنزاع الدموي في السودان. وعلى القادة المجتمعين في باريس التحرك لمعالجة المستويات المنخفضة بشكل مخجل لتمويل الأنشطة الإنسانية، والالتزام بتدابير ملموسة ضد من يعرقل عمدا إيصال المساعدات إلى السكان المحتاجين".
ويأتي المؤتمر بعد مرور عام كامل على اندلاع النزاع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الخرطوم، بتاريخ 15 أبريل 2023 ، قبل أن يمتد إلى مناطق أخرى، منها دارفور ووسط السودان. وعلى الرغم من حجم المعاناة والانتهاكات التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة، إلا أن الوضع في السودان لم يحظ بأكثر من استجابة مخيبة للآمال من المجتمع الدولي.
ولقي حوالي 15 ألف شخص مصرعهم منذ ذلك الحين. ومن شبه المؤكد أن هذه الإحصائية أقل من العدد الحقيقي. وأدى النزاع إلى تهجير 5ر8 مليون شخص، معظمهم داخل البلاد، ما يجعل السودان يعاني من أكبر أزمة نزوح في العالم. كما لجأ حوالي 76ر1 مليون شخص إلى بلدان مجاورة. وحذرت المنظمة الحقوقية من أن 5 ملايين شخص قد يواجهون، خلال الأشهر المقبلة، خطر المجاعة في غياب مساعدة إنسانية ملموسة.
وذكرت "هيومن رايتس ووتش" أن كلا الطرفين المتحاربين ارتكبا انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، تصل في بعض الحالات إلى جرائم حرب وجرائم فظيعة أخرى.
وأشارت المنظمة إلى أن القوات المسلحة السودانية قتلت مدنيين بشكل غير قانوني، ونفذت غارات جوية استهدفت عمدا البنية التحتية المدنية، وعرقلت المساعدات الإنسانية بشكل متكرر، من بين انتهاكات أخرى.
واتهمت "هيومن راتس ووتش" كذلك قوات الدعم السريع بتنفيذ عمليات قتل واسعة النطاق في حق المدنيين، كانت عدة منها على ما يبدو موجهة بشكل عرقي، خصوصا في غرب دارفور، بينما قامت أيضا بعرقلة المساعدات عبر أساليب شملت نهب الإمدادات الإنسانية على نطاق واسع.
كما استخدمت قوات الدعم السريع، وفقا للمنظمة، أسلحة متفجرة ثقيلة في مناطق مكتظة بالسكان، وتورطت في أعمال عنف جنسي وعمليات نهب واسعة، في حين جنّد الطرفان وحلفاؤهما أطفالا واحتجزا مدنيين بشكل تعسفي.
ونبهت "هيومن رايتس ووتش"، نقلا عن إحصائيات الأمم المتحدة، إلى أن حوالي 25 مليون شخص، أي حوالي نصف عدد السكان، يعتمدون الآن على الإمدادات الغذائية الطارئة التي قيّدتها القوات المسلحة السودانية عمدا ونهبتها قوات الدعم السريع، في تصرفات تشكل انتهاكا واضحا للقانون الدولي وقد ترقى إلى جرائم حرب.
ووصفت مقابلات "هيومن رايتس ووتش" مع عمال إغاثة كيف فرضت السلطات التابعة للقوات المسلحة السودانية، بما فيها المخابرات العسكرية، العديد من القيود البيروقراطية التعسفية التي عرقلت عمل المنظمات الإنسانية وعطلت قدرتها على الوصول إلى المحتاجين.
ويشمل ذلك التأخير والرفض وعدم الاستجابة لطلبات الحصول على التأشيرات وتصاريح السفر التي تشترط السلطات على موظفي الإغاثة الحصول عليها للتنقل بين الولايات الاتحادية، وفرض إجراءات إدارية مبالغ فيها لاستيراد مواد الإغاثة ونقلها.
وتأتي عرقلة القوات المسلحة السودانية للمساعدات بشكل غير قانوني بعد عقود من العداء والعرقلة الروتينية لوكالات الإغاثة الدولية في عهد الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، ما يزيد من معاناة السكان في مناطق النزاع.
وشنت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، عدة مرات، هجمات ضد إمدادات المساعدات والبنية التحتية الإنسانية، سيما المستودعات، بما فيها مخزن برنامج الأغذية العالمي في ود مدني خلال ديسمبر 2023 .
ولفت مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أن "هذه الهجمات في مناطق خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع أثّرت على إمدادات كان يمكنها إطعام 5ر1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد لشهر كامل".
كما اتهمت مجتمعات محلية في دارفور مؤخرا قوات الدعم السريع بنهب الإمدادات الغذائية الموجهة إلى مخيمات النازحين.
وكشفت مجموعة "شبكة دارفور لحقوق الإنسان"، التي ترصد الأوضاع الحقوقية، من خلال بيان أصدرته يوم 3 أبريل الجاري، أن قوات الدعم السريع والمقاتلين العرب نهبوا إمدادات إغاثية، بينها مواد غذائية موجهة للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، من سكان مخيم للنازحين في وسط دارفور.
وسعى كلا الطرفين، خصوصا القوات المسلحة السودانية، لتقييد المساعدات المتجهة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الطرف الآخر وعبرها، ما وضع الخرطوم تحت حصار فعلي منذ أواخر 2023 ، كما عرقلا وصول المساعدات إلى دارفور.
وقال أحد فاعلي الاستجابة المحليين من مدينة الخرطوم بحري "تمنع القوات المسلحة السودانية أي إمدادات من دخول المدينة، وتقيّد قوات الدعم السريع التحركات داخل المدينة. نحن مضطرون لتهريب البضائع بما فيها المواد الغذائية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع".
وأشار برنامج الأغذية العالمي إلى أنه تمكن، يوم 3 أبريل الجاري، لأول مرة منذ ديسمبر الماضي، من الوصول إلى محلية كرري الواقعة في أمدرمان والتي تخضع حاليا لسيطرة القوات المسلحة السودانية.
وقتلت أطراف النزاع وجرحت واعتقلت عشرات عاملي الإغاثة، واستهدفت قوافل إنسانية.
وأدى تجاهل الأطراف المتحاربة الصارخ للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان إلى الوضع الإنساني الكارثي الحالي الذي تسبب في معاناة للمدنيين بالمناطق المتضررة بشدة من القتال، خصوصا في الخرطوم ومدن أخرى وأجزاء كبيرة من دارفور، ومنع عنهم الضروريات الأساسية.
وأكدت المنظمة الحقوقية أنه ينبغي لمجلس الأمن الدولي والدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي مواصلة التدقيق في وضع الأمن الغذائي، من خلال إحاطات عامة منتظمة على مدى الأشهر الستة المقبلة.
ويتعين على الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والدول الأخرى تنسيق العمل بموجب أنظمة العقوبات الخاصة بكل منها تجاه السودان، والتعجيل بتحديد الكيانات والأفراد المسؤولين عن عرقلة المساعدات وغير ذلك من الانتهاكات الجسيمة.
وأكدت "هيومن رايتس ووتش" أنه "يجب على الحكومات المجتمعة في باريس أيضا أن تدعم بشكل نشط وعلني جهود التحقيق في الانتهاكات المستمرة على الأرض".
وكان مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية قد كشف، في يوليو 2023 ، أنه يحقق في الجرائم الأخيرة المرتكبة في دارفور ضمن تحقيقات مكتبه الجارية في دارفور.
كما ينبغي، وفقا للمنظمة، منح البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي، والمكلفة بالتحقيق في الانتهاكات في جميع أنحاء السودان، بما فيها تلك المرتكبة في الخرطوم ودارفور، الدعم والوصول الكاملين، وتجديدها حسب الحاجة إلى حين الانتهاء من التحقيقات.
وتابع عثمان "على العالم أن يخجل من التكلفة المروعة لتقاعسه عن الاستجابة. يستحق المدنيون في السودان استجابة عالمية قوية ومنسقة"، مضيفا "يجب ألا يكون مؤتمر باريس نهاية التركيز على السودان، وإنما التوجه نحو نهج جديد. ولا بد للمؤتمر إعلان زيادات كبيرة في التمويل الإنساني تشمل فاعلي الاستجابة المحليين، وتحديد معايير واضحة وتدابير ملموسة تتخذها الدول لإنهاء استخدام المساعدات كسلاح من قبل الطرفين المتحاربين".
-0- بانا/م أ/ع ه/ 15 أبريل 2024