هانا تيتيه: ليبيون من جميع أنحاء البلاد يشاركون في الحوار المهيكل
طرابلس-ليبيا(بانا)- أعربت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتيه، عن ارتياحها لأن الاجتماع الافتتاحي للحوار المهيكل قد شهد حضور مجموعة متنوعة من الليبيين المخلصين من مختلف أنحاء البلاد، وعددهم 124 شخصا، منهم 81 رجلا و43 امرأة و13 من الشباب.
وصرحت هانا تيتيه، في كلمتها خلال حفل افتتاح الحوار المهيكل يوم الأحد، أن المجموعة تضم كذلك ممثلين عن مختلف المكونات الثقافية واللغوية وأشخاصا من ذوي الإعاقة الذين “لا يمكننا أن نعبر بشكل كاف عن آراء المجتمع الليبي من دون الاستماع إلى أصواتهم”، على حد قولها.
ولاحظت أن تكوين هذه المجموعة يعكس تنوع ليبيا الثري، حيث يساهم كل فرد بتجربته الفريدة ووجهات نظره الخاصة حول الحوكمة والاقتصاد والأمن والمصالحة وحقوق الإنسان.
وأوضحت أن إيصال صوت الشعب الليبي يشكل أحد الأهداف الأساسية التي يقوم عليها المسار السياسي الذي تيسّره بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مضيفة أنه “ينبع هذا من قناعتنا الراسخة بأن نجاح أي مسار سياسي يتطلب أن يُرسم من قبل الليبيين أنفسهم، وأن يعكس تطلعاتهم وآراءهم. ويتجلى هذا المبدأ أيضا في قرارات مجلس الأمن المتعاقبة التي أكدت على ضرورة وجود مسار سياسي شامل تقوده ليبيا، وتمسك بزمامه، وأشدد على عبارة: أن يكون حوارا شاملا تيسّره البعثة”.
وأشارت تيتيه إلى أن “البعثة قامت لهذا السبب أيضا، في وقت سابق من هذا العام، بعد بروز مختنق حول القوانين الانتخابية، بتشكيل لجنة استشارية ضمت 20 خبيرا ليبيا مرموقا، يمثلون خلفيات متنوعة ولكنهم متحدون في رؤيتهم الوطنية وواجبهم الوطني، لتقديم المشورة لنا بشأن كيفية التغلب على القضايا الخلافية في الإطار الانتخابي”.
وتابعت أن تقرير اللجنة الاستشارية وتوصياتها نُشرت واستُخدمت كأساس للمشاورات الوطنية التي أجرتها البعثة -المباشرة منها أو الافتراضية أو عبر استطلاعات الرأي الإلكترونية- والتي ساهمت في بلورة خارطة الطريق التي تيسرها البعثة وأعلنتها للشعب الليبي ومجلس الأمن، لافتة إلى أن هدف المسار المنتهج هو ضمان أن تكون خارطة الطريق ليبية تستند إلى أولويات الليبيين.
وأكدت أن الحوار المهيكل جاء بالتالي استجابة لمطالب غالبية الليبيين الذين التقتهم في غمار هذه المشاورات، والذين أعربوا عن رغبتهم في رؤية عملية سياسية أكثر شمولا يشارك فيها عموم الليبيين وتُسمع أصواتهم.
وشددت تيتيه على أن هذا الحوار يهدف لإتاحة منبر آمن لمختلف شرائح المجتمع الليبي للتعبير عن رأي موحد بشأن مستقبل بلادهم.
ونوهت إلى أن الحوار المهيكل يتم بتيسير ودعم من البعثة، ولكنه في جوهره مساحة للحوار الليبي-الليبي، حيث أن البعثة تتيح المنبر والإطار العام والهيكل والدعم اللوجستي والموضوعي لإطلاق النقاش.
لكن النقاش نفسه، والأهم من ذلك، نتائجه، يعتمد -وفقا للمبعوثة الأممية- على المشاركين المجتمعين في هذه القاعة، وجميع الليبيين الذين سيشاركون عبر القنوات الأخرى التي سيُعلن عنها لاحقا.
وصرحت أن الحوار سيُقسم إلى أربعة محاور، وستُعقد جلساته بالتتابع على مدار فترة تتراوح بين أربعة وستة أشهر، بداية من يناير 2026 ، موضحة أن هذه المحاور تتمثل في الحوكمة، والاقتصاد، والأمن، والمصالحة الوطنية وحقوق الإنسان.
ولفتت إلى أن الحوار يهدف إلى وضع مجموعة من التوصيات الملموسة بشأن القضايا العاجلة في مجال السياسة العامة والحوكمة لتهيئة بيئة مواتية للانتخابات، والمقترحات السياسية والتشريعية لمعالجة دوافع النزاع طويلة الأمد بهدف صياغة رؤية وطنية موحدة ترسم مسار الاستقرار.
وأشارت إلى أن الحوار سيكون محددا بأجل زمني، ويركز على تحقيق النتائج المنشودة، وسيكون فرصة لليبيين من كافة المشارب للانخراط في نقاشات متعمقة حول الوضع الراهن في البلاد والمسار المستقبلي لها.
وقالت “مع انطلاق الاستعدادات لهذا الحوار المهيكل، ألهمتنا رؤية هذا العدد الكبير من الليبيين الذين أبدوا اهتماما في الانضمام للعملية والإسهام فيها. وأعلم أن هناك الكثيرين ممن ليسوا حاضرين اليوم الذين يرغبون في المشاركة. ونحن، كبعثة، ملتزمون بتهيئة الفرص لإشراك شرائح أوسع من الشعب على مدار هذه العملية، إلى جانب الحاضرين داخل القاعة، حيث أن هذا كفيل بإضفاء قوة أكبر على نتائج الحوار المهيكل”.
وقد تم إنشاء تجمع نسائي ليرافق أعضاء الحوار المهيكل ويمكنهم من التشاور مع النساء في عموم ليبيا. كما أعدت النساء الليبيات ميثاقا خاصا بهن وأولوياتهن وتوصياتهن حول المحاور الأربعة للحوار المهيكل.
وأعلنت المبعوثة الأممية كذلك عن إعداد منصة رقمية للشباب لتعزيز المشاركة الفاعلة للشباب، عدا أولئك الجالسين حول طاولة الحوار، وذلك لإثراء الحديث من خلال نقل آرائهم وآمالهم إليه، مؤكدة أن للشباب من جميع أنحاء ليبيا يمكنهم الانضمام إلى هذه المنصة لطرح آرائهم ومساءلة الممثلين عن الشباب.
وفيما يخص ذوي الإعاقة، فإن التشاور جارٍ معهم بما يكفل تضمين أولوياتهم على النحو الواجب. وقد يسّرت الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مؤخرا نقاشات خلصت إلى حزمة من التوصيات التي تتناول المحاور الأربعة.
وستقام حوارات رقمية دورية واستطلاعات عبر الإنترنت وغيرها من اللقاءات التي ستتكرر طوال عملية الحوار المهيكل بهدف الاستفادة من المداخلات وإثراء النقاشات من خلالها، وفقا للمسؤولة الأممية، التي أكدت أن البث المباشر لأجزاء من مداولات اليوم الافتتاحي “يعكس حرصنا على إطلاع الشعب الليبي بنفس القدر والمشاركة في النقاشات حتى وإن لم يكونوا حاضرين في هذه القاعة”.
وصرحت أنه، إيمانا بمبادئ الأمم المتحدة، سيكون الحوار المهيكل على أكبر قدر ممكن من الشمول والشفافية بما يجعله منبرا لمناظرة وطنية، مع الحرص في الوقت ذاته على إتاحة مساحة آمنة للمشاركين في الحوار المهيكل على نحو يمكّن من الانخراط في نقاشات صادقة ومنفتحة وبنّاءة.
وقالت “كما أننا لن نبدأ بالعملية من الصفر، إذ أن هناك كمّ من الجهود والمسارات الليبية الجديرة بالإشادة والتي أسهمت في النهوض ببعض من المحاور التي سنعمل على مناقشتها ضمن الحوار المهيكل. ونحن ملتزمون بالبناء على هذه الجهود ونعتزم الاستعانة بخبراء ليبيين آخرين كمرجعية طيلة سير العملية”.
وتيسيرا للنقاشات الدائرة ضمن الحوار المهيكل، أشارت تيتيه إلى أن البعثة أطلقت استطلاعا للرأي عبر الانترنت خلال نوفمبر الماضي، وأجرت جلستين من الحوار الرقمي وحوارا عبر تطبيق “الزوم”، وذلك للاستماع لآراء الليبيين حول ما يودون أن تتناوله هذه العملية، مضيفة “سنطرح ذلك ونطلعكم على المزيد من التفاصيل حول النتائج التي خلصت إليها تلك الاستطلاعات في وقت لاحق اليوم”.
ولاحظت أن مجلس الأمن جدد تأكيده، ضمن قراراته المتوالية، على دعمه لعملية يقودها الليبيون ويمسكون بزمامها، وأن ولاية البعثة واضحة فيما يتعلق بالمساعدة في تهيئة الظروف لانتخابات تتمتع بالمصداقية وتوحيد المؤسسات وإحراز تقدم في المصالحة الوطنية. مضيفة أن الحوار المهيكل يمثل عنصرا محوريا في هذا الجهد.
وأردفت بالقول “في هذه العملية من التشاور والحوار، نأمل أن تسهم النتائج في تحسين حالة الحوكمة وإرساء أسس تعزيز السلام والاستقرار. وفي أي بلد توجد فيه بعثة سياسية أو لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، يوجد ضمنيا رأي للمجتمع الدولي بأن غياب هذه البعثة قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في ذلك البلد، ليس فقط على مستوى البلد نفسه، بل على مستوى السلام والأمن الدوليين، ولا سيما أمن جيرانه والمنطقة ككل”.
وسعيا للتغلب على هذا الوضع، اعتبرت المسؤولة الأممية أنه لا بد من وجود حكومة تمارس سلطتها على البلاد، وقادرة على صون السلام والاستقرار داخل حدودها، لأن السلام والاستقرار لا يتحققان بالقوة فحسب، ولكن أيضا بالحكم الرشيد الذي يضع مصالح المواطنين وسكان البلاد في المقام الأول، وذلك من خلال إدارة مواردها المالية بحكمة، وتوفير الخدمات العامة الضرورية، والسعي لتعزيز التنمية.
وعلاوة على ذلك، رأت تيتيه أنه يُتوقع من هذه الحكومة حماية مصالح جميع مواطنيها، وكافة المقيمين داخل حدودها، مع احترام حقوقهم الإنسانية، كما يتوقع منها، في سياق بيئة عالمية مترابطة، أن تراعي تداعيات أفعالها أو تقاعسها على الدول المجاورة والمجتمع الدولي ككل.
وتابعت قائلة “يتيح هذا الحوار لكم، أنتم الحاضرون اليوم، ولمن سيشاركون عبر الإنترنت وفي الفعاليات اللاحقة، فرصة للمساهمة بأفكار تعزز الحكم الرشيد في ليبيا، وتسهّل عودتها إلى مزيد من الاستقرار والازدهار، حيث أن ليبيا السلمية والمزدهرة والقوية لها دور هام في العالم. وعليه، فإننا نشجعكم على التركيز والواقعية في صياغة توصياتكم، مع مراعاة ما يجب على الليبيين فعله بدعم من المجتمع الدولي لتحقيق النتائج المرجوة”.
ورغم الانقسام والاستقطاب المتزايد في البلاد، فقد أكدت تيتيه أنها تدرك -بناء على ما رأته وسمعته- بأن وحدة الصف هي ما يميز أصوات الناس في رغبتهم برؤية البلاد وهي تبدأ صفحة جديدة وإخراجها من دوامة المراحل الانتقالية التي لا نهاية لها، موضحة أن “الوحدة حاضرة في الرغبة برؤية البلاد موحدة وسيادتها وسلامة أراضيها مصانة، حيث يمكن لليبيين اختيار قيادات مسؤولة عبر الانتخابات والنظر في الاحتياجات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية الملحة للشعب عبر حكم رشيد مسؤول. فالقوة الجمعية للأصوات الواحدة هي ما يحض على التغيير ورسم المستقبل”.
وأعربت عن أملها في التمكن، من خلال النقاشات التي ستجري خلال الأشهر القليلة المقبلة، من استحضار هذه العناصر التي توحد المجتمع الليبي ووضعها في المقدمة واتخاذ خطوات ملموسة للمضي بالنقاش قدما.
وأضافت تيتيه “قبل الختام، أؤكد مجددا على أن سلامة المشاركين وأمنهم أمران يحتلان أهمية قصوى بالنسبة لنا. أما عن مدونة قواعد السلوك التي التزمتم بها مسبقا، والتي سنوقع عليها معا بعد قليل فإنها تبين بوضوح أن أي تصرف ينافي هذه المدونة قد يؤدي إلى طلب مغادرتكم من الحوار المهيكل. فالبيئة الآمنة التي تتسم بالاحترام والشمول وتتيح المشاركة الهادفة دون خوف من الانتقام أمر محوري في بناء ليبيا يمكن فيها للجميع الإسهام على قدم المساواة في إحلال السلام والاستقرار ورسم مستقبل البلاد”.
وفي الختام، أعربت عن تقديرها للمشاركين نظرا لما أبدوه من رغبة واستعداد للإسهام في هذا الجهد. مؤكدة أن “الحس القيادي الذي يميزكم والتزامكم وصدقكم مع سير عجلة الحوار أمور لا يمكن الاستهانة بها، ودوركم بالغ الأهمية، وأنا شخصيا، بل وفريقي أيضا، نتطلع للعمل معكم خلال الأشهر المقبلة”.
وخلصت الممثلة الخاصة للأمين العام الأممي إلى القول “أود الإشارة إلى حضور السفراء وممثلي دول لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا. فحضورهم اليوم دلالة على دعمهم لجهودكم. وأود كذلك أن أتقدم بالشكر للدول المانحة. فبفضل مساهماتهم تمت الترتيبات اللوجستية لحفل الافتتاح اليوم”.
-0- بانا/ي ب/ع ه/ 15 ديسمبر 2025

